أرضُ الرَّصاصِ والدَّم
November 18, 2025


أَنْ تُولَدَ بعدَ الحربِ لا تَعني، بالضَّرورةِ، أَنَّكَ قد نجَوْتَ منها؛ فالحربُ تَدَّخِرُ لنفسِها بضْعةَ أجيالٍ منَ الضَّحايا المُؤجَّلين. أمَّا أنْ تُولَدَ بعدَ حربٍ «أهليَّةٍ» ولُبنانيَّةٍ في آنٍ معًا، فَتِلْكَ مأساةٌ أَشَدُّ فظاعةً وإيلامًا؛ أنْ تتوارَثَ الأجيالُ أئمَّةَ الحربِ، ومُبرِّراتِ اشتِعالِها، جيلًا إثرَ جيلٍ. 

لم تَمنَعْ ولادَتي، بعدَ تعليقِها بعشرِ سنينَ أنْ يكونَ ميراثُها، ميراثَ الحربِ، أَقْدَمَ ما أذكرُه عن طُفولَتي؛ رشَّاشَيْ كلاشنيكوف، جِسْمَ قذيفةِ هاوِن وثُقْبًا في دَرْفَةِ خَزانَةٍ عتيقةٍ. هذا الثَّالوثُ هو كُلُّ ما «استفادَ» به أبناءُ جَدِّي لأبي مِنَ «المَدِّ» الشُّيوعيِّ في البِلادِ. جِسْمُ القذيفةِ كانَ لُعبَتي المُفضَّلَةَ؛ هذا الشَّاهِدَ المُتَمَوْضِعَ استراتيجيًّا في مَدخَلِ بيتِنا حيثُ نَسكُنُ في حيٍّ مِنْ أَتْعَسِ أحياءِ «الضَّاحية»؛ تلكَ البُقعةُ التي أَلْبَسَتْها الحربُ اسمًا وبُؤْسًا لم يكونا فيها، على ذِمَّةِ أبي. رُبَّما، بهذه اللُّعبةِ، كنتُ أُعوِّضُ عدمَ إمكانيَّةِ اللَّعِبِ بالوُرُودِ التي تُعَدُّ عُنصُرًا دخيلًا، ورُبَّما مَشبوهًا، في حيِّنا. فكُنتُ أرى في شَفراتِ القذيفةِ ما يراهُ الطِّفلُ في أوراقِ الوَرْدِ المُتَفَتِّحَة. أَظُنُّ أنِّي نسَجتُ، بمُخيِّلةِ الطِّفلِ الذي كُنتُه، علاقةً مع هذا الجِسمِ الذي اقتحمَ بيتَ جَدِّي في برج البراجنة بدايةَ الثَّمانينات. أمَّا الصَّيفُ فأقضيه في القرية. ورغمَ تَوَفُّرِ الوَرْدِ فيها بنسبةٍ معقولةٍ، كانَ أوَّلُ ما أفعلُه عندَ وصولي هو تَفَقُّدٌ مُفاجِئٌ للرَّشَّاشَيْن الكَامِنَيْنِ في الخَزانَةِ ذاتِ الدَّرْفَةِ المَثقوبةِ برصاصةٍ ثقيلةٍ اخترقتْها ذاتَ اشتباكٍ قبلَ أنْ تُهجَّرَ «مُؤقَّتًا» إلى القريةِ، وتبقى هُناكَ كغيرِها منْ مُهجَّري الحرب. 

في سِجِلِّ ألعابي المُفضَّلةِ لُعبةٌ أُخرى؛ «أسلحةُ الخرَز» التي تُباعُ بكثرةٍ للأطفال، وللكبارِ أيضًا. كانَ مُسدَّسُ «الخرَز» العتادَ الوحيدَ الذي أستطيعُ اقتناءَه بمصادرِ التَّمويل خاصَّتي، أمَّا بندقيَّة «الخرَز»، ذاتُ المدى البعيد والقُدرةِ الكبيرة على إيلامِ خصومي من أطفال الحيّ، فكانَ امتلاكي لها يُشبِه حُلمَ دولةٍ فقيرةٍ بامتلاك سلاحٍ نوويٍّ. لقد كانت سلاحًا رادعًا فعلًا. «حروب الخرَز» حكايةٌ قائمةٌ بذاتِها، لكنِّي أقتبسُ بعضَ فصولِها: في بيتِنا كنتُ أشعرُ بفائضِ قوَّةٍ، طفوليٍّ طبعًا، حينَ أطلبُ شيئًا من إخوتي الأصغرِ سِنًّا؛ أذكرُ أنِّي أمسكتُ مُسدَّسي «الخرَز» وأنا أتفاوضُ مع أختي على حصَّتي من الشُّوكولا التي اشترتْها هي. طبعًا، كانَ الحصولُ على الحصَّةِ أكثرَ سهولةً مع المُسدَّس.

في «الضَّاحية» أيضًا، وفي غيرِها، يَكثُرُ إطلاقُ النَّارِ؛ عندَ الفرحِ، الحزنِ، النَّجاحِ في شهادةٍ رسميَّةٍ، عندَ الاستماع إلى بيت عتابا لنعيم الشَّيخ مثلًا، وأحيانًا بلا سبب. وأحسَبُ نفسي شاهدًا، من جُملةِ شاهدينَ، على ظاهرةٍ لم أزلْ أذكرُها جيِّدًا بقَدْرِ ما أنِّي لا أذكرُ كيف اختفتْ؛ إطلاقُ النَّارِ عندَ خطاباتِ الأمين العام الأسبق لحزب الله حسن نصر الله. أعتقدُ أنَّها كانت في فترة بدايات الحرب السُّوريَّةِ. وكانَ أوَّلُ ما نفعلُه، في تلكَ الفترة، عندما نسمعُ إطلاقًا كثيفًا للرَّصاص هو أنْ نُقلِّبَ في قنواتِ التَّلفزةِ لنرى إنْ كانَ نصر الله يخطبُ أم أنَّ الرَّصاصَ لشأنٍ آخر. وعندَ كُلِّ إطلاقٍ للنَّار كنتُ أحلُمُ بشيءٍ واحدٍ فقط؛ أريدُ أنْ أنتقلَ من مسدَّساتِ «الخرَز» إلى مسدَّساتٍ تُصدِرُ أصواتًا قويَّةً كالتي أسمعُها.

هكذا، بينَ سلاحٍ نُقبِلُ إليه وسلاحٍ يُقبِلُ علينا، خَلَقَ اللَّعِبُ بمُخلَّفاتِ الحربِ، في جوٍّ حربيٍّ بامتيازٍ، مَيْلًا في نفسي نحوَ السِّلاحِ، وأثارَ في الوقتِ نفسِه سؤالًا عن موقِعِ السِّلاحِ منْ تلكَ الحربِ؛ أيُّهما مَهَّدَ لنُمُوِّ الآخر؟ وبالتَّالي؛ أيُّهما سبقَ الآخرَ إلى حِساباتِ المُتقاتِلين؟ وللأمانةِ، إنَّ الذي خلقَ هذا السُّؤالَ لديَّ هو ما قالَه لي أحدُ النَّاجينَ منَ المُشاركةِ في الحربِ في مَعْرِضِ اعتراضِه على حُبِّي للسِّلاح: «مَنْ يَحْمِلْ مُسدَّسًا، لن يرى العالَمَ إلَّا مِن فُوهَةِ مُسدَّسِه»، ولا أعرفُ إنْ كانَ قدِ اقتبسَها عن قائلٍ آخرَ أم لا. إذن، نستطيعُ إعادةَ طَرحِ السُّؤالِ بما يلي: لو لم يَكُنْ ثَمَّةَ فصائلُ وأحزابٌ مُسلَّحةٌ، هل كانتِ الحربُ «الأهليَّةُ» ستَقَعُ؟ قد يبدو السُّؤالُ ساذجًا، فأسبابُ الحربِ ومُبرِّراتُها[1] كانت أكبرَ مِنْ هذا. 

ليسَ هدَفُ السُّؤالِ مُناقشةَ بديهةِ أنَّ المُتحاربينَ يتحارَبونَ بالسِّلاح! إنَّما المُرادُ هو إعادةُ تحديدِ العَلاقةِ الشَّرطيَّةِ والمنطقيَّةِ بين الحربِ الأهليَّةِ ووجودِ فصائلَ مُسلَّحةٍ؛ فهُوَ ليسَ سؤالًا عنِ السِّلاحِ، بل عنِ التَّسَلُّحِ وعَمَّا يكونُ، مَنطقيًّا، بعدَ التَّسَلُّحِ في بَلَدٍ لم يُنْجِزْ سُكَّانُه، إلى اليومِ، هويَّةً واحدةً، أو بالأحرى لم يَتَّفِقوا بعدُ على موقعِهم منَ العالَم. هو سؤالٌ عن دورِ السِّلاح في تحديدِ خياراتِ الجماعات المُسلَّحة. وبالتَّالي، هو سؤالٌ عن إمكانيَّةِ أَلَّا يَكونَ كُلُّ الذي كان. وهذا ليسَ مِنْ أجلِ توزيعِ المَسؤوليَّاتِ على أئمَّةِ الحربِ ومُريديهِم بِقَدْرِ ما أنَّه مِنْ أجلِ ألَّا يكونَ ما كانَ، مرَّةً أُخرى؛ لئلَّا تَصيرَ الحربُ عُرْفًا بيننا.

كانَ التَّمرُّدُ، أو الثَّورةُ على روايةٍ أُخرى، في العام 1958 أوَّلَ استطلاعٍ بالنَّارِ، إنْ جازَ التَّعبيرُ، لحالةِ الانقسامِ اللُّبنانيِّ حولَ هويَّةِ هذا البَلَدِ بينَ عربيٍّ مُستغرِقٍ في «عُروبتِه» و«عربيٍّ» مُستَغرِقٍ في غَرْبِيَّتِه، وهو انقسامٌ إيديولوجيٌّ بامتياز. بعدَ ذلكَ تعمَّقَ الانقسامُ واتَّخذَ أسماءَ عدَّةَ، لكنَّ نُقطةَ اللَّاعودةِ لحربِ العام 1975 كانتْ مع توقيعِ اتِّفاقِ القاهرةِ عام 1969 بضغطٍ منَ الخارجِ نفسِه الذي كانتْ حربُ العام 1958 منْ أجلِه، أو بالأحرى منْ أجلِ طبيعةِ علاقتنا به، معَ وجودِ تطوُّرٍ خطيرٍ تمثَّلَ في أنَّ الخارجَ، هذه المرَّةَ، صارَ في الدَّاخِلِ.

شكَّلَ اتِّفاقُ القاهرةِ ومجيءُ الفصائلِ الفلسطينيَّةِ إلى لُبنان طفرةً تسليحيَّةً لصالِحِ اليسارِ، فصارَ الرَّشَّاشُ مدفعًا والهاوِنُ دبَّابةً في مواجهةِ اليمينِ الذي كانَ تسلُّحُه بالسُّلطةِ أكبرَ من تسلُّحِه بغيرِها. وفائضُ السِّلاحِ لا يعني سوى فائضٍ في القُوَّةِ أدَّى، معَ جُملةِ أسبابٍ، إلى انفجارِ البَلَدِ على أيدي ميليشياتِ اليمينِ واليسارِ. مِنْ هُنا، ربَّما نستطيعُ أنْ نفهمَ لماذا استعملَ الرَّاحلُ محسِن إبراهيم كلمةَ «اسْتَسْهَلْنا» عندَ نقدِه الحربَ؛ هو الذي يُحمَدُ له أنَّه مِنْ قِلَّةٍ قليلةٍ قدَّمَتْ نقدًا لمُشاركتِها في الحربِ بَدَلًا من تقديمِ التَّبريراتِ. مِنْ هُنا أيضًا، يُمكنُ طرحَ السُّؤالِ بصيغةٍ أُخرى؛ لو لم تَكُنْ تلكَ الطَّفرةُ في التَّسَلُّحِ المُتبادَلِ، بغضِّ النَّظَرِ عمَّنْ تَسَلَّحَ أوَّلًا، هل سيكونُ دخولُ الحربِ بالسُّهولةِ التي كانَ عليها؟ بعبارةٍ ثانيةٍ: هل يُمكنُ للميليشيا أَلَّا تتصرَّفَ كميليشيا؟ وإذْ إنَّ الحربَ قد وقَعَتْ معَ طَرَفٍ أرادَ تغييرَ النِّظامِ بالحربِ، فهذا يَعني وجودَ طَرَفٍ مُقابِلٍ أرادَ تثبيتَ النِّظامِ نفسِه بالحربِ نفسِها؛ إذَّاكَ، يكونُ السُّؤالُ أعلاهُ بِرَسْمِ الجميع!

الميليشيا، بطبيعتِها، لن تتصرَّفَ كميليشيا وحسب، بل ستُفَكِّرُ كميليشيا! وفي بَلَدٍ تتصدَّرُ مشهدَهُ السِّياسيَّ ميليشياتٌ مُنقسِمةٌ إيديولوجيًّا ضدَّ بعضِها، فإنَّ سلوكَها الطَّبيعيَّ هو تمامًا الذي سَلَكَتْهُ عام 1975. مِنْ هُنا، إنَّ وجودَ الميليشياتِ نفسَه يجعَلُ منَ الحربِ الأهليَّةِ نتيجةً حتميَّةً لهذا الوجودِ، إذْ يجعلُ حلَّ الخلافاتِ بغيرِ الحربِ أمرًا أصعبَ منَ الحرب نفسِها، لأنَّ الميليشيات ستَنظُرُ إلى خصمِها «مِنْ فُوَّهَةِ» مَدفَعِها هذه المرَّة. تمامًا كما كنتُ أشعرُ حينَ كنتُ أُفاوضُ أُختي على قطعةِ الحلوى. بعبارةٍ أُخرى؛ إنَّ وجودَ السِّلاحِ نفسَه قد يكونُ، أحيانًا، مُبرِّرًا كافيًا لاستعمالِه، بخاصَّةٍ في مجتمعاتٍ تتعاطى مع العُنفِ والسِّلاح بشكلٍ يوميٍّ، بل بشكلٍ لَحظِيٍّ أحيانًا. من هُنا، تبرزُ ضرورةُ أنْ تكونَ الدَّولةُ هي الجهةُ الوحيدةُ التي تحتكرُ العُنفَ والسِّلاحَ بوصفِه أداةً للعُنف.

وأَخطَرُ ما كانَ في هذه الحربِ، أنَّها كانتْ تقاتُلٌ مِنْ أجلِ فكرةٍ وليسَ مِنْ أجلِ حقٍّ. ولعلَّ الجدوى ليستْ في نقدِ فكرةٍ منَ الأفكارِ المُتصارِعَةِ آنذاكَ، بِقَدْرِ ما أنَّها في نَقْضِ مبدأ القِتالِ مِنْ أجلِ فكرةٍ، أيًّا تَكُنْ هذه الفِكرة. مِنْ هُنا، هي دعوةٌ لمُقاربَةِ العملِ المُسلَّحِ، من حيثُ هو عَمَلٌ جَماعيٌّ، مُقاربَةً تقومُ على فلسفةِ حقوقِ الإنسانِ التي تُميِّزُ، في جُملةِ ما تُميِّزُ، بينَ حقوقٍ طبيعيَّةٍ كالحقِّ في الحياةِ، وحقوقٍ مُكتَسَبةٍ كالحقِّ في إقامةِ نظامٍ سياسيٍّ مُعيَّنٍ أو تغييرِه أو تثبيتِه.

جوهرُ المُقاربةِ أنْ يُعَدَّ القِتالُ مَشروعًا إذا كانَ آخرَ وسيلةٍ للدِّفاعِ عن حقٍّ طبيعيٍّ يُنْتَهَكُ. المُقاوَمةُ، مثلًا، والتي كَثُرَ استعمالُها في أدبيَّاتِ أطرافِ الحربِ آنذاك، هي دِفاعٌ ضدَّ مُحتَلٍّ ينتَهِكُ حقَّيْنِ طبيعيَّيْنِ؛ الحقَّ في حياةٍ كريمةٍ لا تستقيمُ مع وجودِ الاحتلالِ، والحَقَّ في تقريرِ المصير بدَرَجَةٍ أُولى. بهذا، يسقُطُ أيُّ تبريرٍ لاستعمالِ كلمةِ «مُقاومة» في قِتالِ طَرَفٍ لُبنانيٍّ لطَرَفٍ لُبنانيٍّ آخرَ، إذْ أنَّ تقريرَ المصيرِ حقُّ الشَّعبِ اللُّبنانيِّ وليسَ حقَّ جُزْءٍ منه، وبالتَّالي إنَّ الاختلافَ حولَ هذا المصير، حولَ موقعِنا في العالَم مثلًا، لا يُعدُّ انتهاكًا لهذا الحقِّ. أمَّا تغييرُ النِّظامِ، أو تثبيتُه، فهو حقٌّ مُكتَسَبٌ؛ وهو فكرةٌ يُقابِلُها فكرةٌ أُخرى تشتَركان في الحقِّ نفسِه؛ حقِّ الوصولِ إلى السُّلطة، وهو حقٌّ لا يجوزُ استعمالُ الحربِ كوسيلةٍ لتحقيقِه. وأفظَعُ ما في القِتالِ من أجلِ فكرةٍ أنَّها تدفعُ المُقاتِلَ إلى أحدِ أمرَيْن؛ إمَّا أنْ يبحثَ عن فكرةٍ مُقدَّسَةٍ يُقاتِلُ من أجلِها، أو أنْ يُقدِّسَ الفكرةَ الأولى، لأنَّ تبريرَ الحربِ بالمُقدَّسِ يُوَفِّرُ للمُقاتلِ مشروعيَّةً مُطلقةً لحربِه. 

عَوْدًا عليَّ، لستُ بِدْعًا من اللُّبنانيِّينَ في سِجِلِّي الحربيِّ هذا؛ إذْ لكُلِّ لُبنانيٍّ ولُبنانيَّةٍ تاريخٌ حربيٌّ خاصٌّ؛ بل باتَ عُرْفًا بينَنا أنْ نُؤرِّخَ لشؤونِنا اليوميَّةِ بالحروب. وقد يكونُ نافِعًا استحداثُ وثيقةٍ رسميَّةٍ على شاكلةِ إخراجِ قيدٍ حربيٍّ يضمُّ البياناتِ الحربيَّةَ الخاصَّةَ بالمواطِنِ، أو براءةِ ذِمَّةٍ للدَّولةِ اللُّبنانيَّةِ تُوقَّعُ منَ الزَّوجَيْن قبلَ الإنجابِ وتُحمِّلُهم مسؤوليَّةَ تربيةِ طفلٍ في هذه الجُغرافيا المُثقلةِ بالسِّلاحِ وما يُعادلُه. أمَّا أنا، فأرغبُ في إضافةِ بعضِ البياناتِ إلى ما ذُكِرَ أعلاه. بياناتٌ لا قيمةَ لها في هذا العالَمِ الحربيِّ. بياناتُ حرب العام 2024، مِنْ قَبيلِ: أنْ تنفجِرَ مخازِنُ السِّلاحِ بينَ البيوت؛ أنْ يُضافَ إلى سِجِلِّ الألغامِ والذَّخائرِ غيرِ المُنفجرةِ سِجِلٌّ جديدٌ منها؛ مزيدٌ من الألغامِ المُتَرَبِّصَةِ بزَلَّةِ قَدَمٍ قاتلةٍ؛ والكثيرُ منَ الرَّصاصِ «الطَّائش» وبعضٌ منَ القتلى!

عَوْدٌ على ثالوثِ الحربِ الأهليَّةِ، وعلى حروبِنا التي لا تنتهي؛ قد مُنَّ عليَّ في الحربِ الأخيرةِ أَنْ أحتَفِظَ بِشظِيَّةِ صاروخٍ سقطتْ بالقُربِ من بيتِنا في القرية. أَضَفْتُ فردًا جديدًا لهذه العائلةِ الحربيَّةِ؛ قذيفةَ جَدِّي وثُقبَه، رَشَّاشَيْ أبي وشظيَّتي. وأضفتُ سؤالًا إلى أسئلتي: لو أنِّي عَدَلْتُ عنْ قراري فتزَوَّجْتُ وأنجَبتُ طِفلًا؛ تُرى، هل سيَكتُبُ نَصًّا عن هذه العائلةِ الحربيَّةِ التي سيَرِثُها منِّي، دونَ أنْ يُضيفَ فردًا جديدًا عليها؟ هُنا، في أرضٍ لم تزلْ، كُلَّما غَفَتْ، لا تَحْلُمُ إلَّا بالسَّلام!

 


 


[1] ليس المقصودُ بالمُبرِّراتِ ما يجعلُ الحربَ مُبرَّرةً، وإنَّما ما كان يستخدمُه المُتحاربونَ لتبرير حربِهم.

 

SHARE